ليس أمامنا سوى التجربة والملاحظة
في سياق السعي الدؤوب للمعرفة الموثوقة والقابلة للتحقق، لا نجد أنفسنا، ضمن المنهج العلمي، إلا أمام رحاب التجربة والملاحظة كركيزتين لا غنى عنهما. فالتجربة ليست مجرد طريقة، بل هي السبيل الذي يضمن أقصى درجات الضبط العلمي والموضوعية، مانحة المعرفة سمة القابلية للتكرار والتحقق على يد أي باحث آخر. هذه الخصائص هي ما يفتح الباب أمام تعميم النتائج وتبادل المعرفة بثقة، مشكلة بذلك الأساس الذي تبنى عليه العلوم تراكمياً. إن هذه القدرة على إعادة التنفيذ والبرهنة العملية هي ما يمنح المعرفة قوة ويجعلها تتجاوز حدود التأويل الشخصي أو التصورات المجردة.
وعلى الرغم من القيمة المعرفية التي قد تحملها الطرق العقلية البحتة أو الاستبصارات العرفانية كمصادر للإلهام أو لتوليد الفرضيات الأولية، فإنها تفتقر إلى المعيار الأساسي للقبول العلمي: القدرة على إخضاعها للمحك التجريبي القابل للتكرار والتحقق. فالمعرفة العلمية، بطبيعتها، تسعى لتجاوز الذاتية والحدس الشخصي لتؤسس فهماً مشتركاً وموضوعياً للعالم الطبيعي، مبنياً على أدلة ملموسة. ولذا، تبقى التجربة هي المحك الذي لا يلين، والمرشح الأوحد لولوج قصر المعرفة العلمية الرصينة، القادرة على التنبؤ والتحكم، والتي يجمع عليها المجتمع العلمي بأسره.